فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصمّ أسماعهم فلا يسمعون داعي الله إلى الهدى، وأعمى أبصارهم فلا يبصرون بها حجج الله إبصار معتبر ومتعظ (وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) يقول: وهؤلاء الذين جعل الله فيهم هذه الأفعال هم الساهون، عما أعدّ الله لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم.
وقوله (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الهالكون، الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من كرامة الله تعالى.
يقول تعالى ذكره: ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم، من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك بأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم، ومما يعبدون من دون الله، وصبروا على جهادهم (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور، يقول: لذو ستر على ما كان منهم من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم، وهم لغيرها مضمرون، وللإيمان معتقدون، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى الله وتوبتهم.
وذكر عن بعض أهل التأويل أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا تخلَّفوا بمكة بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم، فأيسوا من التوبة، فأنزل الله فيهم هذه الآية: فهاجروا ولحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ) قال ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب