*ذكر من قال ذلك: حدثني الحارث، قال: ثنا الحسين الأشيب، قال: ثنا أبو جعفر عيسى بن ماهان، الذي يقال له الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) قال: كان أمرهم بالمعروف أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده لا شريك له; ونهيهم عن المنكر أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان. قال: فمن دعا إلى الله من الناس كلهم فقد أمر بالمعروف، ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان فقد نهى عن المنكر.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٤) }
يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله، وحاضا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السبّ والتكذيب: وإن يكذّبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما آتيتَهم به من الحق والبرهان، وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذّبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم من قبلهم، فلا يصدنك ذلك، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال. فقد كذبت قبلهم يعني مشركي قريش; قوم نوح، وقوم عاد وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب مدين، وهم قوم شعيب. يقول: كذب كلّ هؤلاء رسلهم. وكذب موسى، فقيل: وكذب موسى، ولم يقل: وقوم موسى، لأن قوم موسى بنو إسرائيل، وكانت قد استجابت له ولم تكذّبه، وإنما كذّبه فرعون وقومه من القبط.
وقد قيل: إنما قيل ذلك كذلك لأنه ولد فيهم كما ولد في أهل مكة.
وقوله: (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ) يقول: فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) يقول: ثم أحللت بهم العقاب بعد الإملاء (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ)
يقول: فانظر يا محمد كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة وتنكري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم، ألم أبدلهم بالكثرة قلة وبالحياة موتا وهلاكا وبالعمارة خرابا؟ يقول: فكذلك فعلي بمكذّبيك من قريش، وإن أمليت لهم إلى آجالهم، فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم، فأهلكناهم وأنجيتهم من بين أظهرهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) }
يقول تعالى ذكره: وكم يا محمد من قرية أهلكت أهلها وهم ظالمون; يقول: وهم يعبدون غير من ينبغي أن يُعبد، ويعصون من لا ينبغي لهم أن يعصوه. وقوله: (فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) يقول: فباد أهلها وخلت، وخوت من سكانها، فخربت وتداعت، وتساقطت على عروشها; يعني على بنائها وسقوفها.
كما: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: (فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) قال: خواؤها: خرابها، وعروشها: سقوفها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (خاويَةٌ) قال: خربة ليس فيها أحد.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة. مثله.
وقوله: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) يقول تعالى: فكأين من قرية أهلكناها، ومن بئر عطلناها، بإفناء أهلها وهلاك وارديها، فاندفنت وتعطلت، فلا واردة لها ولا