وقوله:(كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ) يقول: كلما جاء أمة من تلك الأمم، التي أنشأناها بعد ثمود، رسولُها الذي نرسله إليهم، كذّبوه فيما جاءهم به من الحق من عندنا. وقوله:(فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا) يقول: فأتبعنا بعض تلك الأمم بعضا بالهلاك، فأهلكنا بعضهم في إثر بعض. وقوله:(وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) للناس، ومثلا يتحدّث بهم في الناس، والأحاديث في هذا الموضع جمع أحدوثة، لأن المعنى ما وصفت من أنهم جعلوا للناس مثلا يتحدث بهم، وقد يجوز أن يكون جمع حديث، وإنما قيل:(وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) لأنهم جعلوا حديثا، ومثلا يتمثَّل بهم في الشرِّ، ولا يقال في الخير: جعلته حديثا، ولا أُحْدوثة. وقوله:(فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) يقول: فأبعد الله قوما لا يؤمنون بالله، ولا يصدّقون برسوله.
يقول تعالى ذكره: ثم أرسلنا بعد الرسل الذين وصف صفتهم قبل هذه الآية، موسى وأخاه هارون إلى فرعون وأشراف قومه من القبط (بِآيَاتِنَا) يقول: بحججنا (فَاسْتَكْبَرُوا) عن اتباعها، والإيمان بما جاءهم به من عند الله (وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) يقول: وكانوا قوما عالين على أهل ناحيتهم، ومن في بلادهم من بنى إسرائيل وغيرهم بالظلم، قاهرين لهم.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقوله:(وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) قال: عَلَوا على رُسُلهم، وعصَوا ربهم، ذلك علوّهم، وقرأ:(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ) الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) }
يقول تعالى ذكره: فقال فرعون وملؤه: (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا) فنتبعهما (وَقَوْمُهُمَا) من بني إسرائيل (لَنَا عَابِدُونَ) يعنون: أنهم لهم مطيعون متذللون، يأتمرون