يقول تعالى ذكره لنييه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: سيقول لك يا محمد الذين خلفهم الله في أهليهم عن صحبتك، والخروج معك في سفرك الذي سافرت، ومسيرك الذي سرت إلى مكة معتمرا، زائرا بيت الله الحرام إذا انصرفت إليهم، فعاتبتهم على التخلف عنك، شغلتنا عن الخروج معك معالجة أموالنا، وإصلاح معايشنا وأهلونا، فاستغفر لنا ربنا لتخلُّفنا عنك، قال الله جل ثناؤه مكذبهم في قيلهم ذلك: يقول هؤلاء الأعراب المخلَّفون عنك بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وذلك مسألتهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الاستغفار لهم، يقول: يسألونه بغير توبة منهم ولا ندم على ما سلف منهم من معصية الله في تخلفهم عن صحبة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمسير معه (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) يقول تعالى ذكره لنبيه: قل لهؤلاء الأعراب الذين يسألونك أن تستغفر لهم لتخلفهم عنك: إن أنا استغفرت لكم أيها القوم، ثم أراد الله هلاككم أو هلاك أموالكم وأهليكم، أو أراد بكم نفعا بتثميره أموالكم وإصلاحه لكم أهليكم، فمن ذا الذي يقدر على دفع ما أراد الله بكم من خير أو شرّ، والله لا يعازّه أحد، ولا يغالبه غالب.
وقوله (بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يظن هؤلاء المنافقون من الأعراب أن الله لا يعلم ما هم عليها منطوون من النفاق، بل لم يزل الله بما يعملون من خير وشرّ خبيرا، لا تخفى عليه شيء من أعمال خلقه، سرّها وعلانيتها، وهو محصيها عليهم حتى يجازيهم بها، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما ذُكر عنه حين أراد المسير إلى مكة عام الحُديبية معتمرا