يقول تعالى ذكره:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا) إلى الأمم التي أنشأنا بعد ثمود (رُسُلَنَا تَتْرَى) يعني: يتبع بعضها بعضا، وبعضها في أثر بعض، وهي من المواترة، وهي اسم لجمع مثل شيء، لا يقال: جاءني فلان تترى، كما لا يقال: جاءني فلان مواترة، وهي تنوّن ولا تنوّن، وفيها الياء، فمن لم ينوّنها (فَعْلَى) من وترت ومن قال: "تترا" يوهم أن الياء أصلية، كما قيل: مِعْزًى بالياء، ومَعْزًا، وبهمى بهما، ونحو ذلك، فأجْرِيت أحيانًا وتُرِك إجراؤها أحيانا، فمن جعلها (فعلى) وقف عليها أشار إلى الكسر، ومن جعلها ألف إعراب لم يشر؛ لأن ألف الإعراب لا تكسر، لا يقال: رأيت زيدًا، فيشار فيه إلى الكسر.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) يقول: يَتْبُع بعضها بعضا.
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) يقول: بعضها على أثر بعض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:(تَتْرَى) قال: اتباع بعضها بعضا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) قال: يتبع بعضها بعضا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) قال: بعضهم على أثر بعض، يتبع بعضهم بعضا.
واختلفت قرّاء الأمصار في قراءة ذلك، فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة، وبعض أهل المدينة، وبعض أهل البصرة (تَتْرًا) بالتنوين. وكان بعض أهل مكة، وبعض أهل المدينة، وعامة قرّاء الكوفة يقرءونه:(تَتْرَى) بإرسال الياء على مثال (فَعْلَى) ، والقول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلام العرب، بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني مع ذلك أختار القراءة بغير تنوين؛ لأنه أفصح