القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، أي: إنما أرسلنا الرسل، يا محمد، إلى من وصفتُ أمرَه، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجن، يقصون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إليَّ، من أجل أن ربَّك لم يكن مهلك القرى بظلم.
* * *
وقد يتَّجه من التأويل في قوله:"بظلم"، وجهان:
أحدهما:(ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، أي: بشرك مَنْ أشرك، وكفر مَنْ كفر من أهلها، كما قال لقمان:(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، [سورة لقمان: ١٣] = (وأهلها غافلون) ، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسلا تنبههم على حجج الله عليهم، وتنذرهم عذاب الله يوم معادهم إليه، ولم يكن بالذي يأخذهم غَفْلة فيقولوا:"ما جاءنا من بَشِيٍر ولا نذير".
* * *
والآخر:(ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، يقول: لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرُّسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، والله غير ظلامٍ لعبيده. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب عندي، القولُ الأول: أن يكون معناه: أن لم يكن ليهلكهم بشركهم، دون إرسال الرسل إليهم، والإعذار بينه وبينهم. وذلك أن قوله:(ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، عقيب قوله:
(١) في المطبوعة: ((للعبيد)) ، وأثبت ما في المخطوطة.