فلا يدري قومهم أين هم؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم، فعذّب الله تبارك وتعالى هؤلاء ههنا، وهؤلاء هنا، وأنجى الله صالحا ومن معه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة:(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا) قال: فسلط الله عليهم صخرة فقتلتهم.
وقوله:(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) يقول تعالى ذكره: فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر ثمود بنبيهم صالح، كيف كانت؟ وما الذي أورثها اعتداؤهم وطغيانهم وتكذيبهم؟ فإن ذلك سنتنا فيمن كذب رسلنا، وطغى علينا من سائر الخلق، فحذر قومك من قريش، أن ينالهم بتكذيبهم إياك، ما نال ثمود بتكذيبهم صالحا من المثلات.
وقوله:(أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) يقول: إنا دمرنا التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض من قوم صالح وقومهم من ثمود أجمعين، فلم نبق منهم أحدا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله "إنا" فقرأ بكسرها عامة قرّاء الحجاز والبصرة على الابتداء، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة:(أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بفتح الألف. وإذا فُتحت كان في (أَنَّا) وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع على ردّها على العاقبة على الاتباع لها، والآخر النصب على الرد على موضع كيف؛ لأنها في موضع نصب إن شئت، وإن شئت على تكرير كان عليها على وجه، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم كان عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
يعني تعالى ذكره بقوله:(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً) فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم، ليس فيها منهم أحد، قد أهلكهم الله فأبادهم (بِمَا ظَلَمُوا) يقول تعالى ذكره: بظلمهم أنفسهم بشركهم بالله، وتكذيبهم رسولهم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك يا محمد من القصة، لعظة لمن يعلم فعلنا بهم ما فعلنا، من قومك الذين يكذّبونك فيما جئتهم به من عند ربك وعبرة.