عن داود بن الحُصين، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس في قوله:(بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[سورة البقرة: ٥٩] ، أي بما بعُدوا عن أمري (١) . فمعنى قوله:"وما يُضلّ به إلا الفاسقين"، وما يضلّ الله بالمثل الذي يضربه لأهل الضلال والنفاق، إلا الخارجين عن طاعته، والتاركين اتباعَ أمره، من أهل الكفر به من أهل الكتاب، وأهل الضّلال من أهل النفاق.
* * *
القول في تأويل قوله:{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}
قال أبو جعفر: وهذا وصف من الله جل ذكره الفاسقين الذين أخبر أنه لا يُضلّ بالمثَل الذي ضربه لأهل النفاق غيرَهم، فقال: وما يُضِلّ الله بالمثل الذي يضربه - على ما وصف قبلُ في الآيات المتقدمة - إلا الفاسقين الذين ينقُضُون عهد الله من بعد ميثاقه.
ثم اختلف أهل المعرفة في معنى العهد الذي وصف الله هؤلاء الفاسقين بنقضه:-
فقال بعضهم: هو وصية الله إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته، في كتبه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ونقضُهم ذلك، تركُهم العمل به.
وقال آخرون: إنما نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم، وإياهم عَنى الله جل ذكره بقوله:"إنّ الذين كفرُوا سواءٌ عليهم أأنذرتهم"، وبقوله:"ومن الناس مَنْ يَقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر". فكل ما في هذه الآيات، فعَذْل لهم وتوبيخ إلى انقضاء قَصَصهم. قالوا: فعهدُ الله الذي
(١) الخبر: ٥٧١- لم أجده في مكانه من تفسير آية البقرة، ولا في أية آية ذكر فيها هذا الحرف. ولم يخرجه أحد ممن اعتمدنا ذكره. وفي المخطوطة: "من أمري".