استنفر العرب ومن حول مدينته من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه حذرا من قومه قريش أن يعرضوا له الحرب، أو يصدّوه عن البيت، وأحرم هو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالعمرة، وساق معه الهدي، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب، وتخلَّفوا خلافه فهم الذين عَنَى الله تبارك وتعالى بقوله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) ... الآية.
وكالذي قلنا في ذلك قال أهل العلم بسير رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومغازيه، منهم ابن إسحاق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق بذلك. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) قال: أعراب المدينة: جهينة ومزينة، استتبعهم لخروجه إلى مكة، قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه، فقتلوا أصحابه فنقاتلهم! فاعتلوا بالشغل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا) فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (ضَرًّا) بفتح الضاد، بمعنى: الضّر الذي هو خلاف النفع. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين (ضُرّا) بضم الضاد، بمعنى البؤس والسَّقم.
وأعجب القراءتين إليّ الفتح في الضاد في هذا الموضع بقوله (أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا) ، فمعلوم أن خلاف النفع الضرّ، وإن كانت الأخرى صحيحا معناها.