يقول تعالى ذكره: وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين; يقول: مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك، فأشركت اليهود بربها بقولهم إن عُزَيرا ابن الله، والنصارى بقولهم في المسيح مثل ذلك، وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (حُنَفَاءَ) قد مضى بياننا في معنى الحنيفية قبل بشواهده المُغنية عن إعادتها، غير أنا نذكر بعض ما لم نذكر قبل من الأخبار في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) يقول: حجاجا مسلمين غير مشركين، يقول: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويحجوا وذلك دين القيمة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) والحنيفية: الختان، وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والمناسك.
وقوله: (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ)
يقول: وليقيموا الصلاة، وليؤتوا الزكاة.
وقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
يعني أن هذا الذي ذكر أنه أمر به هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هو الدين القيمة، ويعني بالقيِّمة: المستقيمة العادلة، وأضيف الدين إلى القيِّمة، والدين هو القَيِّم، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما. وهي في قراءة عبد الله فيما أرى فيما ذُكر لنا: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وأُنِّثت القيمة، لأنها جعلت صفة للملة، كأنه قيل: وذلك الملة القيِّمة، دون اليهودية والنصرانية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وشرع لنفسه، ورضي به.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) قال: هو واحد; قيِّمة: مستقيمة معتدلة.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ