ففي "أنْ" وجهان من العربية: إن جعلت بدلا من الكتاب كانت رفعا بما رفع به الكتاب بدلا منه; وإن جعل معنى الكلام: إني ألقي إليّ كتاب كريم ألا تعلوا علي كانت نصبا بتعلق الكتاب بها.
وعنى بقوله:(أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ) ألا تتكبروا ولا تتعاظموا عما دعوتكم إليه.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ) ألا تمتنعوا من الذي دعوتكم إليه إن امتنعتم جاهدتكم، فقلت لابن زيد:(أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ) ألا تتكبروا علي؟ قال: نعم; قال: وقال ابن زيد: (أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ذلك في كتاب سليمان إليها. وقوله:(وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) يقول: وأقبلوا إليّ مذعنين لله بالوحدانية والطاعة.
يقول تعالى ذكره: قالت ملكة سبأ لأشراف قومها: (يَاأَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) تقول: أشيروا عليّ في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقي إليّ، فجعلت المشورة فتيا.
وقوله:(مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) تقول: ما كنت قاضية أمرا في ذلك حتى تشهدون، فأشاوركم فيه.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: دعت قومها تشاورهم (يَاأَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) يقول في الكلام: ما كنت لأقطع أمرا دونك ولا كنت لأقضي أمرا، فلذلك قالت:(مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا) بمعنى: قاضية.
وقوله:(قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ) يقول تعالى ذكره: قال الملأ من قوم ملكة سبأ، إذ شاورتهم في أمرها وأمر سليمان: نحن ذوو القوّة على القتال، والبأس