يعني قوم إبراهيم، وعرفوا أنها، يعني آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع ولا تبطش:(لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) : أي لا تتكلم فتخبرنا من صنع هذا بها، وما تبطش بالأيدي فنصدّقك، يقول الله (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ) في الحجة عليهم لإبراهيم حين جادلهم، فقال عند ذلك إبراهيم حين ظهرت الحجة عليهم بقولهم:(لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قال الله (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ) أدركت الناس حَيرة سَوْء.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثم نكسوا في الفتنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ) قال: نكسوا في الفتنة على رءوسهم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
وقال بعض أهل العربية: معنى ذلك: ثم رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
وإنما اخترنا القول الذي قلنا في معنى ذلك، لأن نَكَس الشيء على رأسه: قلبه على رأسه وتصيير أعلاه أسفله؛ ومعلوم أن القوم لم يقلبوا على رءوس أنفسهم، وأنهم إنما نُكست حجتهم، فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك، فنَكْس الحجة لا شك إنما هو احتجاج المحتجّ على خصمه بما هو حجة لخصمه، وأما قول السديّ: ثم نكسوا في الفتنة، فإنهم لم يكونوا خرجوا من الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها. وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه، فقول بعيد من الفهوم، لأنهم لو كانوا رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم، ما احتجوا عليه بما هو حجة له، بل كانوا يقولون له: لا تسألهم، ولكن نسألك فأخبرنا من فعل ذلك بها، وقد سمعنا أنك فعلت ذلك، ولكن صدقوا القول (فقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) وليس ذلك رجوعا عما كانوا عرفوا، بل هو إقرار به.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ