يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس، وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكِّديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضًا من الدنيا قليلا ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به، يثبكم الله على الوفاء به، فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك، هو خير لكم إن كنتم تعلمون، فضل ما بين العِوَضين اللذين أحدهما الثمن القليل، الذي تشترون بنقض عهد الله في الدنيا، والآخر الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به، ثم بين تعالى ذكره فرْق ما بين العِوَضين وفضل ما بين الثوابين، فقال: ما عندكم أيها الناس مما تتملكونه في الدنيا، وإن كَثُر فنافدٌ فان، وما عند الله لمن أوفى بعهده وأطاعه من الخيرات باق غير فانٍ، فلما عنده فاعملوا وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا. وقوله (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره: وليثيبنّ الله الذين صبروا على طاعتهم إياه في السّراء والضرّاء، ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها، ومسارعتهم في رضاه، بأحسن ما كانوا يعملُون من الأعمال دون أسوئها، وليغفرنّ الله لهم سيئها بفضله.
يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة الله، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن: يقول: وهو مصدّق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة، وبوعيد أهل معصيته على المعصية (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) .
واختلف أهل التأويل في الذي عَنى الله بالحياة الطيبة التي وعد هؤلاء القوم أن يُحْيِيَهموها، فقال بعضهم: عنى أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال.