يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون:(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) فقوله"الذين" مردود على"من" في قوله (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) . وتأويل الكلام: كذلك يضلّ الله أهل الإسراف والغلوّ في ضلالهم بكفرهم باقله، واجترائهم على معاصيه، المرتابين في أخبار رسله، الذين يخاصمون في حججه التي أتتهم بها رسله ليدحضوها بالباطل من الحُجَج (بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) يقول: بغير حجة أتتهم من عند ربهم يدفعون بها حقيقة الحُجَج التي أتتهم بها الرسل; و"الذين" إذا كان معنى الكلام ما ذكرنا في موضع نصب ردًّا على"مَن".
وقوله:(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ) يقول: كبر ذلك الجدال الذي يجادلونه في آيات الله مقتا عند الله، (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله; وإنما نصب قوله: (مَقْتا) لما في قوله (كَبُرَ) من ضمير الجدال، وهو نظير قوله:(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) فنصب كلمة من نصبها، لأنه جعل في قوله:(كَبُرَتْ) ضمير قولهم: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) وأما من لم يضمر ذلك فإنه رفع الكلمة.
وقوله:(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) يقول: كما طبع الله على قلوب المسرفين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله أن يوحده، ويصدّق رسله. جبار: يعني متعظم عن اتباع الحقّ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار، خلا أبي عمرو بن العلاء، على:(كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) بإضافة القلب إلى المتكبر، بمعنى الخبر عن أن الله طبع على قلوب المتكبرين كلها; ومن كان ذلك قراءته، كان قوله"جبار". من نعت"متكبر". وقد روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ