للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَقَّوْا بِسَهمٍ وَلَمْ يَشْعُر بِهِ أَحَدٌ ... ثُمَّ اسْتَفَاءُوا وَقَالُوا: حَبَّذَا الوَضَحُ (١)

يعني بقوله: لم يَشعر به، لم يدر به أحد ولم يعلم. فأخبر الله تعالى ذكره عن المنافقين: أنهم لا يشعرون بأن الله خادِعُهم، بإملائه لهم واستدراجِه إياهم، الذي هو من الله جل ثناؤه إبلاغٌ إليهم في الحجة والمعذرة، ومنهم لأنفسهم خديعةٌ، ولها في الآجل مَضرة. كالذي-:

٣٢١- حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت ابن زيد عن قوله: (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ، قال: ما يشعرون أنهم ضَرُّوا أنفسهم، بما أسَرُّوا من الكفر والنِّفاق. وقرأ قول الله تعالى ذكره: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) ، قال: هم المنافقون حتى بلغ (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) [سورة المجادلة: ١٨] ، قد كان الإيمان ينفعهم عندكم (٢) .

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}

قال أبو جعفر: وأصل المرَض: السَّقم، ثم يقال ذلك في الأجساد والأديان. فأخبر الله جلّ ثناؤه أن في قلوب المنافقين مَرَضًا، وإنما عنى تبارك وتعالى بخبره


(١) الشعر للمتنخل الهذلي، ديوان الهذليين ٢: ٣١، وأمالي القالي ١: ٢٤٨، وسمط اللآلئ ٥٦٣. عقى بالسهم: رمى به في السماء لا يريد به شيئًا، وأصله في الثأر والدية، وذلك أنهم كانوا يجتمعون إلى أولياء المقتول بدية مكملة، ويسألونهم قبول الدية. فإن كانوا أقوياء أبوا ذلك، وإلا أخذوا سهمًا ورموا به في السماء، فإن عاد مضرجًا بدم، فقد زعموا أن ربهم نهاهم عن أخذ الدية. وإن رجع كما صعد، فقد زعموا أن ربهم أمرهم بالعفو وأخذ الدية. وكل ذلك أبطل الإسلام. وفاء واستفاء: رجع. والوضح: اللبن. يهجوهم بالذلة والدناءة، فأهدروا دم قتيلهم، ورموا بالسهم الذي يزعمونه يأمرهم وينهاهم، ورجعوا عن طلب الترة إلى قبول الدية، وآثروا إبل الدية وألبانها على دم قاتل صاحبهم، وقالوا في أنفسهم: اللبن أحب إلينا من القود وأنفع.
(٢) الأثر ٣٢١- هو تمام الأثر الذي سلف: ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>