سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) قال: كان ناس من أهل الكتاب أسلموا، فكان المشركون يؤذونهم، فكانوا يصفحون عنهم، يقولون:(سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) .
وقوله:(أَعْرَضُوا عَنْهُ) يقول: لم يصغوا إليه ولم يستمعوه (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) وهذا يدل على أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع، إنما هو ما قاله مجاهد، من أنه سماع القوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون منه في أنفسهم، وأهم أجابوهم بالجميل من القول (لَنَا أَعْمَالُنَا) قد رضينا بها لأنفسنا، (وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) قد رضيتم بها لأنفسكم. وقوله:(سَلامٌ عَلَيْكُمْ) يقول: أمنة لكم منا أن نُسَابَّكم، أو تسمعوا منا ما لا تحبون (لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) يقول: لا نريد محاورة أهل الجهل ومسابَّتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(إِنَّكَ) يا محمد (لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) هدايته (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أن يهديه من خلقه، بتوفيقه للإيمان به وبرسوله. ولو قيل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك، ولكن الله يهدي من يشاء، كان مذهبا (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) يقول جل ثناؤه: والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد، ذلك الذي يهديه الله فيسدده ويوفقه.
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته، إذ دعاه إلى الإيمان بالله، إلى ما دعاه إليه من ذلك.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو كُرَيب والحسين بن عليّ الصُّدائي، قالا ثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه عند الموت: "قُلْ لا إِلَهَ إِلا الله أَشْهَد لَكَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ" قال: لولا أن تعيرني قريش لأقررت عينك، فأنزل الله:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) ... الآية.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، قال: ثني أبو حازم الأشجعي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: