البينات والحجج، إذ بعثناه إليكم، وقويناه بروح القدس، وأنتم كلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه نفوسكم استكبرتم عليهم - تجبرا وبغيا - استكبار إمامكم إبليس، فكذبتم بعضا منهم. وقتلتم بعضا. فهذا فعلكم أبدا برسلي.
* * *
وقوله:(أفكلما) ، وإن كان خرج مخرج التقرير في الخطاب، فهو بمعنى الخبر.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ}
قال أبو جعفر: اختلفت الْقَرَأَة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم:(وقالوا قلوبنا غُلْف) مخففة اللام ساكنة. وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار. وقرأه بعضهم:"وقالوا قلوبنا غُلُف" مثقلة اللام مضمومة.
* * *
فأما الذين قرأوها بسكون اللام وتخفيفها، فإنهم تأولوها، أنهم قالوا: قلوبنا في أكنة وأغطية وغلْف. و"الغلْف" -على قراءة هؤلاء- جمع"أغلف"، وهو الذي في غلاف وغطاء، كما يقال للرجل الذي لم يختتن"أغلف"، والمرأة"غلفاء". وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه:"سيف أغلف"، وقوس غلفاء" وجمعها"غُلْف"، وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على"أفعل" وأنثاه على"فعلاء"، يجمع على"فُعْل" مضمومة الأول ساكنة الثاني، مثل:"أحمر وحمر، وأصفر وصفر"، فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير. ولا يجوز تثقيل عين"فعل" منه، إلا في ضرورة شعر، كما قال طرفة بن العبد:(١)
أيها الفتيان في مجلسنا ... جردوا منها وِرادا وشُقُر
(١) ديوانه (أشعار الستة الجاهليين) : ٣٣١، من قصيدة نفيسة.