يقول تعالى ذكره: وكان برّا بوالديه، مسارعا في طاعتهما ومحبتهما، غير عاقّ بهما (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) يقول جلّ ثناؤه: ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا متذللا يأتمر لما أمر به، وينتهي عما نُهِي عنه، لا يَعْصِي ربه، ولا والديه.
وقوله (عَصِيًّا) فعيل بمعنى أنه ذو عصيان، من قول القائل: عَصَى فلان ربه، فهو يعصيه عصيا.
وقوله (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) يقول: وأمان من الله يوم ولد، من أن يناله الشيطان من السوء، بما ينال به بني آدم، وذلك أنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتي يَوْمَ القِيامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إلا ما كانَ مِنْ يَحْيَى بنِ زَكَريَّا".
حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: ثني ابن العاص، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (جَبَّارًا عَصِيًّا) قال: كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أحَدٍ يَلْقَى اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ، إلا ذَا ذَنْبٍ، إلا يَحْيَى بنَ زَكَريَّا".
قال: وقال قتادة: ما أذنب، ولا هم بامرأة.
وقوله (وَيَوْمَ يَمُوتُ) يقول: وأمان من الله تعالى ذكره له من فَتَّاني القبر، ومن هول المطلع (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) يقول: وأمان له من عذاب الله يوم القيامة، يوم الفزع الأكبر، من أن يروعه شيء، أو أن يفزعه ما يفزع الخلق.
وقد ذكر ابن عيينة في ذلك ما حدثني أحمد بن منصور الفَيروزِيّ،