فسبيل توبته منه سبيل توبته من سائر أجرامه، فإذا كان الصحيح في ذلك من القول ما وصفنا، فتأويل الكلام: وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من جُرمهم الذي اجترموه بقذفهم المحصنات من بعد اجترامهموه (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: ساتر على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، رحيم بهم بعد التوبة أن يعذّبهم عليها، فأقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فسقة، بل سموهم بأسمائهم التي هي لهم في حال توبتهم.
يقول تعالى ذكره:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) من الرجال (أَزْوَاجِهِمْ) بالفاحشة، فيقذفونهنّ بالزنا، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ) يشهدون لهم بصحة ما رموهنّ به من الفاحشة، (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة:"أرْبَعَ شَهاداتٍ" نصبا، ولنصبهم ذلك وجهان: أحدهما: أن تكون الشهادة في قوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) مرفوعة بمضمر قبلها، وتكون "الأربع" منصوبا بمعنى الشهادة، فيكون تأويل الكلام حينئذ: فعلى أحدهم أن يشهد أربعَ شهادات بالله. والوجه الثاني: أن تكون الشهادة مرفوعة بقوله: (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) و"الأربع" منصوبة بوقوع الشهادة عليها، كما يقال: شهادتي ألف مرة إنك لرجل سَوْء، وذلك أن العرب ترفع الأيمان بأجوبتها، فتقول: حلف صادق لأقومنّ، وشهادة عمرو ليقعدنّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين:(أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ) برفع "الأربع"، ويجعلونها للشهادة مرافعة، وكأنهم وجهوا تأويل الكلام: فالذي يلزم من الشهادة، أربعُ شهادات بالله إنه لمن الصادقين.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ:"فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين" بنصب أربع، بوقوع "الشهادة" عليها، و "الشهادة" مرفوعة حينئذ على ما وصفت من الوجهين قبل. وأحبّ وجهيهما إليّ أن تكون به مرفوعة بالجواب، وذلك قوله:(إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وذلك أن معنى الكلام: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن