يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى صلى الله عليه وسلم لفرعون (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ) يعني بقوله: وتلك تربية فرعون إياه، يقول: وتربيتك إياي، وتركك استعبادي، كما استعبدت بني إسرائيل نعمة منك تمنها عليّ بحقّ. وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه، وهو: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني، فلم تستعبدني، فترك ذكر"وتركتني"لدلالة قوله (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) عليه، والعرب تفعل ذلك اختصارا للكلام، ونظير ذلك في الكلام أن يستحق رجلان من ذي سلطان عقوبة، فيعاقب أحدهما، ويعفو عن الآخر، فيقول المعفو عنه هذه نعمة علي من الأمير أن عاقب فلانا، وتركني، ثم حذف "وتركني"لدلالة الكلام عليه، ولأن في قوله:(أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وجهين: أحدهما النصب، لتعلق "تمنها"بها، وإذا كانت نصبا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تمنها علي لتعبدك بني إسرائيل. والآخر: الرفع على أنها ردّ على النعمة. وإذا كانت رفعا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تمنها عليّ تعبيدك بني إسرائيل. ويعني بقوله:(أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) : أن اتخذتهم عبيدا لك. يقال منه: عبدت العبيد وأعبدتهم، قال الشاعر:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: قهرتهم واستعملتهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال:
(١) البيت من شواهد (اللسان: عبد) قال: تعبد الرجل (وعبده) بتشديد الباء فيهما، وأعبده: صيره كالعبد. قال الشاعر: "ختام يعبدني قومي.." البيت.