وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد عن قتادة أنه قرأ (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) فقال: ما أسرع ما عقل القوم، ذُكر لنا أنهم صُرِفوا إليه من نينوى.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ (يَا قَوْمَنَا مِنَ الْجِنِّ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) قالوا: أجيبوا رسول الله محمدا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله (وَآمِنُوا بِهِ) يقول: وصدّقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر الله ونهيه، وغير ذلك مما دعاكم إلى التصديق به (يَغْفِرْ لَكُمْ) يقول: يتغمد لكم ربكم من ذنوبكم فيسترها لكم ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إياكم عليها (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) يقول: وينقذكم من عذاب موجع إذا أنتم تبتم من ذنوبكم، وأنبتم من كفركم إلى الإيمان بالله وبداعيه.
وقوله (وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر لقومهم: ومن لا يجب أيُّها القوم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم محمدا، وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه من توحيده، والعمل بطاعته (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ) يقول: فليس بمعجز ربه بهربه، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، وتركه تصديقه وإن ذهب في الأرض هاربا، لأنه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ) يقول: وليس لمن لم يحب داعي الله من دون ربه نُصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه.