والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلِم قوما عَضَهُوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنزل بهم بِعضْهِهِمْ إياه مثل ما أنزل بالمقتسمين، وكان عَضْهُهُم إياه: قذفهموه بالباطل، وقيلهم إنه شعر وسحر، وما أشبه ذلك.
وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده، وذلك قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) على صحة ما قلنا، وإنه إنما عُنِيَ بقوله (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) مشركي قومه، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لم يكن في مشركي قومه من يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، بل إنما كان قومه في أمره على أحد معنيين: إما مؤمن بجميعه، وإما كافر بجميعه. وإذ كان ذلك كذلك، فالصحيح من القول في معنى قوله (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) الذين زعموا أنهم عَضَهوه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو كهانة، وما أشبه ذلك من القول، أو عَضَّهُوه ففرقوه، بنحو ذلك من القول، وإذا كان ذلك معناه احتمل قوله عِضِين، أن يكون جمع: عِضة، واحتمل أن يكون جمع عُضْو، لأن معنى التعضية: التفريق، كما تُعَضى الجَزُور والشاة، فتفرق أعضاء. والعَضْه: البَهْت، ورميه بالباطل من القول، فهما متقاربان في المعنى.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا محمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عِضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، فيما أمرناهم به، وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم، وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان..