للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخبرت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: أنشدني غالب النفيلي للقطامي:

ألمْ يَحْزُنْكَ أنَّ حِبالَ قَيْسٍ ... وَتَغْلِبَ قَدْ تَبايَنَتا انْقِطاعَا (١)

فجعل حبال قيس وهي جمع، وحبال تغلب وهي جمع اثنين.

وقوله (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) يقول تعالى ذكره: وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كلّ شيء.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) قال: كلّ شيء حيّ خُلق من الماء.

فإن قال قائل: وكيف خصّ كل شيء حيّ بأنه جعل من الماء دون سائر الأشياء غيره، فقد علمت أنه يحيا بالماء الزروع والنبات والأشجار، وغير ذلك مما لا حياة له، ولا يقال له حيّ ولا ميت؟ قيل: لأنه لا شيء من ذلك إلا وله حياة وموت، وإن خالف معناه في ذلك معنى ذوات الأرواح في أنه لا أرواح فيهنّ وأن في ذوات الأرواح أرواحا، فلذلك قيل (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) .

وقوله (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) يقول: أفلا يصدّقون بذلك، ويقرّون بألوهية من فعل ذلك ويفردونه بالعبادة.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) }

يقول تعالى ذكره: أو لم ير هؤلاء الكفار أيضا من حججنا عليهم وعلى جميع خلقنا، أنا جعلنا في الأرض جبالا راسية؟ والرواسي: جمع راسية، وهي الثابتة.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله (وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ) أي جبالا.


(١) البيت للقطامي، وهو الرابع من عينيته المشهورة التي مطلعها " قفي قبل التفرق يا ضباعا " (انظر ديوانه، طبعة ليدن سنة ١٩٠٢، ص ٢٧) . قال: تباينت تفرقت. والحبال: العلائق والعهود. والشاهد في البيت أن الشاعر قال: تباينتا بلفظ التثنية، مع أن حبال قيس جمع، وحبال تغلب جمع، فكان ظاهر اللفظ يقتضي أن يقول: (تباينت انقطاعا) مراعاة لمعنى الجمعية في حبال قيس وتغلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>