بديات رجالهم، وديات عبيدهم بديات عبيدهم، قصاصًا. فذلك عندهم مَعنى"القصاص" في هذه الآية.
* * *
فإن قال قائل: فإنه تعالى ذكره قال:"كُتب عليكم القصَاص في القتلى الحر بالحرّ والعبدُ بالعبد والأنثى بالأنثى"، فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟
قيل: بل لنا أن نقتص للحر من العبد، وللأنثى من الذكر بقول الله تعالى ذكره:(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)[سورة الإسراء: ٣٣] ، وبالنقل المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
٢٥٥٧- المسلمون تتكافأ دماؤهم. (١)
* * *
فإن قال: فإذ كان ذلك، فما وجه تأويل هذه الآية؟
قيل: اختلف أهلُ التأويل في ذلك. فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عَبد قوم آخرين، لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله، من أجل أنه عَبد، حتى يقتلوا به سَيّده. وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها. فأنزل الله هذه الآية، فأعلمهم أن الذي فُرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجلَ القاتل دون غيره، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال، وبالعبد العبدَ القاتلَ دون غيره من الأحرار، فنهاهم أن يتعدَّوا القاتل إلى غيره في القصاص.
* ذكر من قال ذلك:
٢٥٥٨- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد -وحدثني المثنى
(١) الحديث: ٢٥٥٧- رواه الطبري هنا معلقًا، دون إسناد. وقد رواه أحمد في المسند: ٦٧٩٧، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - وهو عبد الله بن عمرو بن العاص: "المسلمون تكافأ داؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". ورواه بنحوه أيضًا ابن ماجه: ٢٦٨٥. ورواه أحمد، بألفاظ مختلفة، مطولا ومختصرًا: ٦٦٩٢، ٦٩٧٠، ٧٠١٢.