ولا ساكن فيه فيحتاج الداخل إلى إيناسه والتسليم عليه، لئلا يهجم على ما لا يحبّ رؤيته منه، فلا معنى للاستئذان فيه. فإذا كان ذلك، فلا وجه لتخصيص بعض ذلك دون بعض، فكلّ بيت لا مالك له، ولا ساكن، من بيت مبنيّ ببعض الطرق للمارّة والسابلة؛ ليأووا إليه، أو بيت خراب، قد باد أهله ولا ساكن فيه، حيث كان ذلك، فإن لمن أراد دخوله أن يدخل بغير استئذان، لمتاع له يؤويه إليه، أو للاستمتاع به لقضاء حقه من بول أو غائط أو غير ذلك وأما بيوت التجار، فإنه ليس لأحد دخولها إلا بإذن أربابها وسكانها.
فإن ظنّ ظانّ أن التاجر إذا فتح دكانه وقعد للناس، فقد أذن لمن أراد الدخول عليه في دخوله، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أنه ليس لأحد دخول ملك غيره بغير ضرورة ألجأته إليه، أو بغير سبب أباح له دخوله إلا بإذن ربه، لا سيما إذا كان فيه متاع، فإن كان التاجر قد عرف منه أن فتحه حانوته إذن منه لمن أراد دخوله في الدخول، فذلك بعد راجع إلى ما قلنا من أنه لم يدخله من دخله إلا بإذنه. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن من معنى قوله:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) في شيء، وذلك أن التي وضع الله عنا الجناح في دخولها بغير إذن من البيوت، هي ما لم يكن مسكونا، إذ حانوت التاجر لا سبيل إلى دخوله إلا بإذنه، وهو مع ذلك مسكون، فتبين أنه مما عنى الله من هذه الآية بمعزل.
وقال جماعة من أهل التأويل: هذه الآية مستثناة من قوله: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) .
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) ثم نسخ واستثنى فقال: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) ... الآية، فنسخ من ذلك، واستثني فقال:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) .
وليس في قوله:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) دلالة على أنه استثناء من قوله: (لا تَدْخُلُوا