جريج (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) قال: كانت أمه حُبلى يومئذ بغلام مسلم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، أنه ذكر الغلام الذي قتله الخضر، فقال: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
وقوله: (خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً) يقول: خيرا من الغلام الذي قتله صلاحا ودينا.
كما حدثنا القاسم، ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً) قال: الإسلام.
وقوله: (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقرب رحمة بوالديه وأبرّ بهما من المقتول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) : أبرّ بوالديه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سيعد، عن قتادة (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) ، أي أقرب خيرا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأقرب أن يرحمه أبواه منهما للمقتول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) أرحم به منهما بالذي قتل الخضر.
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك: وأقرب أن يرحماه، والرُّحْم: مصدر رحمت، يقال: رَحِمته رَحْمة ورُحما. وكان بعض البصريين يقول: من الرَّحم والقرابة. وقد يقال: رُحْم ورُحُم مثل عُسْر وعُسُر، وهُلك وهُلُك، واستشهد لقوله ذلك ببيت العجاج:
وَلْم تُعَوَّجْ رُحْمُ مَنْ تَعَوَّجا (١)
ولا وجه للرَّحمِ في هذا الموضع، لأن المقتول كان الذي أبدل الله منه والديه ولدا لأبوي المقتول، فقرابتهما من والديه، وقربهما منه في الرَّحيم سواء. وإنما معنى ذلك: وأقرب من المقتول أن يرحم والديه فيبرهما كما قال قتادة: وقد يتوجه الكلام إلى أن يكون معناه. وأقرب أن يرحماه، غير أنه لا قائل من أهل تأويل تأوّله كذلك، فإذ لم يكن فيه قائل، فالصواب فيه ما قلنا لما بيَّنا.
(١) البيت من مشطور الرجز. وهو للعجاج (ديوانه طبع ليبسج سنة ١٩٠٣ ص ١٠) وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٤١٣) قال في تفسير قوله تعالى: (وأقرب رحما) : معناها: معنى رحما، مثل عسر ويسر، وهلك وهلك قال العجاج: " ولم تعوج. . . البيت ". وفي (اللسان: رحم) : الرحم، بالضم: الرحمة. وفي التنزيل: " وأقرب رحما "، وقرئت رحما (بضمتين) . وقال أبو إسحق: أي أقرب عطفا وأمس بالقرابة. والرحم (بضم الراء المشددة فيهما، مع سكون الحاء أو ضمها) في اللغة: العطف والرحمة.