إذا أصابهم، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان: إحداهما وبرة ظهرها وبطنها، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها، تَسعانه إذا لبسهما، يلتحف إحداهما، ويفترش الأخرى، ويصيف في إحداهما، ويشتي في الأخرى، وليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذى يموت فيه، ومنقطع عمره، وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت الأنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد، فإذا كان ذلك أيقن بالموت، وهم يرزقون التنين أيام الربيع، ويستمطرونه إذا تحينوه كما نستمطر الغيث لحينه، فيقذفون منه كلّ سنة بواحد، فيأكلونه عامهم كله إلى مثله من العام القابل، فيغنيهم على كثرتهم ونمائهم، فإذا أمطروا وأخصبوا وعاشوا وسمنوا، ورؤي أثره عليهم، فدرّت عليهم الإناث، وشَبِقت منهم الرجال الذكور، وإذا أخطأهم هَزَلوا وأجدبوا، وجفرت الذكور، وحالت الإناث، وتبين أثر ذلك عليهم، وهم يتداعَون تداعي الحَمام، ويعوُون عُواء الكلاب، ويتسافدون حيث التقَوا تسافد البهائم.
فلما عاين ذلك منهم ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصَّدَفين، فقاس ما بينهما وهو في منقطع أرض الترك مما يلي مشرق الشمس، فوجد بُعد ما بينهما مئة فرسخ؛ فلما أنشأ في عمله، حفر له أساسا حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخا، وجعل حشوه الصخور، وطينه النحاس، يذاب ثم يُصبّ عليه، فصار كأنه عِرْق من جبل تحت الأرض، ثم علاه وشَرّفه بزُبَر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عِرْقا من نحاس أصفر، فصار كأنه بُرد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، فلما فرغ منه وأحكمه، انطلق عامدا إلى جماعة الإنس والجن، فبينا هو يسير، دفع إلى أمة صالحة يهدون بالحقّ وبه يعدلون، فوجد أمة مقسطة مقتصدة، يقسمون بالسوية، ويحكمون بالعدل، ويتآسون ويتراحمون، حالهم واحدة، وكلمتهم واحدة، وأخلاقهم مشتبهة، وطريقتهم مستقيمة، وقلوبهم متألفة، وسيرتهم حسنة، وقبورهم بأبواب بيوتهم، وليس على بيوتهم أبواب، وليس عليهم أمراء، وليس بينهم قضاة، وليس بينهم أغنياء، ولا ملوك، ولا أشراف، ولا يتفاوتون، ولا يتفاضلون، ولا يختلفون، ولا يتنازعون، ولا يستبُّون، ولا يقتتلون، ولا يَقْحَطون، ولا يحردون، ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس، وهم أطول الناس أعمارا،