ثم عاد إلى الفريق - الذين أخبر الله عنهم أنهم نبذوا كتابه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما أنزل على الملكين - فأخبر عنهم أنهم قد علموا أن من اشترى السحر، ما له في الآخرة من خلاق؛ ووصفهم بأنهم يركبون معاصي الله على علم منهم بها، ويكفرون بالله ورسله، ويؤثرون اتباع الشياطين والعمل بما أحدثته من السحر، على العمل بكتابه ووحيه وتنزيله، عنادا منهم، وبغيا على رسله، وتعديا منهم لحدوده، على معرفة منهم بما لمن فعل ذلك عند الله من العقاب والعذاب. فذلك تأويل قوله.
* * *
وقد زعم بعض الزاعمين أن قوله:(ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) ، يعني به الشياطين، وأن قوله:(لو كانوا يعلمون) ، يعني به الناس. وذلك قول لجميع أهل التأويل مخالف. وذلك أنهم مجمعون على أن قوله:(ولقد علموا لمن اشتراه) ، معني به اليهود دون الشياطين: ثم هو - مع ذلك - خلاف ما دل عليه التنزيل. لأن الآيات قبل قوله:(ولقد علموا لمن اشتراه) ، وبعد قوله:(لو كانوا يعلمون) ، جاءت من الله بذم اليهود وتوبيخهم على ضلالهم، وذما لهم على نبذهم وحي الله وآيات كتابه وراء ظهورهم، مع علمهم بخطأ فعلهم. فقوله:(ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) ، أحد تلك الأخبار عنهم.
* * *
وقال بعضهم: إن الذين وصف الله جل ثناؤه بقوله: (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) ، فنفى عنهم العلم، هم الذين وصفهم الله بقوله:(ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) . وإنما نفى عنهم جل ثناؤه العلم بقوله:(لو كانوا يعلمون) - بعد وصفه إياهم بأنهم قد علموا بقوله:(ولقد علموا) - من أجل أنهم لم يعملوا بما علموا. وإنما العالم العامل بعلمه، وأما إذا خالف عمله علمه، فهو في معاني الجهال. قال: وقد يقال للفاعل الفعل بخلاف ما ينبغي أن يفعل، وإن كان بفعله عالما:"لو علمت لأقصرت" كما قال كعب بن زهير المزني، وهو