قوله (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل: فناداها نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه. ولعلة أخرى، وهي قوله (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ) ولم تشر إليه إن شاء الله ألا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها (أَنْ لا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه، ولو كان ذلك قولا من جبرائيل، لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر، مبينا أن عيسى سينطق، ويحتجّ عنها للقوم، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله.
فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويل الذي بينا، فبين أن كلتا القراءتين، أعني (مِنْ تَحْتِهَا) بالكسر، (وَمَنْ تَحْتَها) بالفتح صواب. وذلك أنه إذا قرئ بالكسر كان في قوله (فَنَادَاهَا) ذكر من عيسى: وإذا قرئ (مَنْ تَحْتَها) بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى. فتأويل الكلام إذن: فناداها المولود من تحتها أن لا تحزني يا أمه (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) .
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي) قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أي شيء عذري عند الناس (يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالسريّ في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به: النهر الصغير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) قال: الجدول.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) قال: الجدول.