للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تسمع من الملائكة من البشارة بعيسى، حتى إذا كلَّمها، يعني عيسى، وجاءها مصداق ما كان الله وعدها احتملته ثم أقبلت به إلى قومها.

وقال السديّ في ذلك ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما ولدته ذهب الشيطان، فأخبر بني إسرائيل أن مريم قد ولدت، فأقبلوا يشتدّون، فدعوها (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ) .

وقوله (قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) يقول تعالى ذكره: فلما رأوا مريم، ورأوا معها الولد الذي ولدته، قالوا لها: يا مريم لقد جئت بأمر عجيب، وأحدثت حدثا عظيما. وكل عامل عملا أجاده وأحسنه فقد فراه، كما قال الراجز:

قَدْ أَطْعَمَتنِي دَقَلا حُجْرِيًّا ... قَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الفَرِيَّا (١)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى (فَرِيًّا) قال: عظيما.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) قال: عظيما.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (لَقَدْ


(١) في (اللسان: دقل) : الدقل من التمر: معروف، قيل: هو أردأ أنواعه. وفي (اللسان: فرى) : التهذيب: ويقال للرجل إذا كان جادًّا في الأمر قويا: تركته يفري الفرى ويقد. والعرب تقول: تركته يفري الفرى: إذا عمل العمل أو السقي فأجاد. . . وأنشد الفراء لزرارة بن صعب يخاطب العامرية: قَدْ أطْعَمَتْنِي دَقَلا حَوْليًّا ... مُسَوَّسًا مُدَوَّدًا حَجْرِيًّا
قَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الفَرِيَّا
أي كنت تكثرين في القول وتعظمينه. يقال: فلان يفري الفرى: إذا يأتي بالعجب في عمله.
ثم قال: وفي التنزيل العزيز في قصة مريم: (لقد جئت شيئا فريا) . قال الفراء: الفري الأمر العظيم، أي جئت شيئا عظيما. وقيل: جئت شيئا فريا: أي مصنوعا مختلقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>