للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك بفتح الألف، ولا أرى قراءته كذلك لخلافها قراءة قرّاء الأمصار، والعرب تقول لكلّ أمر عظيم: إدّ، وإمر، ونكر; ومنه قوله الراجز:

قَدْ لَقِيَ الأَعْدَاءُ مِنِّي نُكْرَا ... دَاهِيَةٌ دَهْياءَ إدّا إمْرَا (١)

ومنه قول الآخر:

فِي لَهَثٍ منهُ وَحَثْلٍ إدًّا (٢)

وقوله (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) يقول تعالى ذكره:

تكاد السماوات يتشققن قطعا من قيلهم (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) ومنه قيل: فطرنا به: إذا انشق.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن من ولدا) قال: إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال، وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ له الجَنَّةُ" قالوا: يا رسول الله، فمن قالها في صحته؟ قال: تلك أوْجَبُ وأَوجَبُ". ثم قال: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ


(١) هذان بيتان من مشطور الرجز، وقد سبق استشهاد المؤلف بهما عند قوله تعالى في سورة الكهف (١٥: ١٨٤) "لقد جئت شيئا إمرا ". وقد شرحناهما ثمت.
(٢) هذا بيت من مشطور الرجز لم أعرف قائله. واللهث واللهاث: حر العطش في الجوف. وفي (اللسان: لهث) ابن سيده: لهث الكلب بالفتح، ولهث يلهث فيهما لهثا: دلع لسانه من شدة العطش والحر، وكذلك الطائر إذا أخرج لسانه من حر أو عطش. ولهث الرجل ولهث (بفتح الهاء في الأول وكسرها في الثاني) يلهث (بالفتح) في اللغتين جميعا، لهثا فهو لهثان: أعيا. وأما الحثل فلم أجد في مادة (حثل) في المعاجم معنى يناسب البيت، ولعله محرف عن الخبل، وهو فساد الأعضاء. أو عن الختل، وهو التخادع عن غفلة، ولعل الراجز يصف كلب صيد أو فرسا. وأما الإد فهو العجب والأمر الفظيع؛ وهو محل الشاهد في كلام المؤلف، كالبيتين قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>