كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية، فاستعملها المؤمنون أخذا منهم ذلك عنهم، فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين: أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاما لا يعرفون معناه، ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم صلى الله عليه وسلم. ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة، أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب، وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي، هي عند اليهود سب، وهي عند العرب: أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني. فعلم الله جل ثناؤه معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب، فنهى الله عز وجل المؤمنين عن قيلها للنبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه، أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وهذا تأويل لم يأت الخبر بأنه كذلك، من الوجه الذي تقوم به الحجة. وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا، إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره.
* * *
وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه:(لا تقولوا راعنا) بالتنوين، بمعنى: لا تقولوا قولا"راعنا"، من"الرعونة" وهي الحمق والجهل. وهذه قراءة لقراء المسلمين مخالفة، فغير جائز لأحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين، وخلافِها ما جاءت به الحجة من المسلمين.
ومن نون"راعنا" نونه بقوله: (لا تقولوا) ، لأنه حينئذ عامل فيه. ومن لم ينونه فإنه ترك تنوينه لأنه أمر محكي. لأن القوم كأنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم:(راعنا) ، بمعنى مسألته: إما أن يرعيهم سمعه، وإما أن يرعاهم ويرقبهم - على ما قد بينت فيما قد مضى - فقيل لهم: لا تقولوا في مسألتكم إياه"راعنا". فتكون الدلالة على معنى الأمر في"راعنا" حينئذ سقوط الياء التي كانت