فقالوا: رجلان في كلّ حال. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين، في الرفع والنصب والخفض، وهما اثنان، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس، قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما بنيت زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قال: وكان القياس أن يقولوا: اللذون، وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى، قال: قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس: إن هذين لساحران في اللفظ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب، قال: وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال: وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مجاز "إن هذان لساحران"، مجاز كلامين، مَخْرجه: إنه إي نعم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
(١) البيت لضابئ بن الحارث البرجمي، وهو أول أبيات قالها وهو محبوس بالمدينة، في زمن عثمان بن عفان. وبعده ثلاثة أبيات أنشدها أبو العباس المبرد في الكامل (خزانة الأدب للبغدادي ٤: ٣٢٣ - ٣٢٨) واستشهد به النحاة على أن قوله (قيار) مبتدأ حذف خبره، والجملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها، والتقدير: فإني وقيار كذلك، لغريب. وإنما لم يجعل الخبر لقيار، ويكون خبر إن محذوفا؛ لأن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ حتى يقدم، نحو لقائم زيد. وهذا تخريج له خلاف مذهب سيبويه، فإن الجملة عنده في نية التأخير، فهي معطوفة لا معترضة، وزعم الكسائي والفراء أن نصب إن ضعيف لأنها إنما تغير الاسم ولا تغير الخبر، قال الزجاج: وهذا غلط، لأن إن قد عملت عملين: الرفع والنصب، وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع، لأن كل منصوب مشبه بالمفعول، والمفعول لا يكون بغير فاعل، إلا فيما لم يسم فاعله. وكيف يكون نصب إن ضعيفا وهي تتخطى الظروف وتنصب ما بعدها نحو " إن فيها قوما جبارين "، ونصب إن من أقوى المنصوبات أه.