للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهب بن منبه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصيّ وخيل إليه أنها تسعى، وقال: والله إن كانت لعصيا في أيديهم، ولقد عادت حيات، وما تعدو عصاي هذه، أو كما حدّث نفسه، فأوحى الله إليه أن (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) وفرح موسى فألقى عصاه من يده، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقفها، تبتلعها حية حية، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا، قالوا: آمنا برب هارون وموسى، لو كان هذا سحر ما غلبنا.

وقوله (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) يقول جلّ ثناؤه: وقال فرعون للسحرة: أصدقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) يقول: إن موسى لعظيمكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) .

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: لما قالت السحرة (آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) قال لهم فرعون، وأسف ورأى الغلبة والبينة: (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) : أي لعظيم السحار الذي علمكم.

وقوله: (فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) يقول: فلأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين، أو يسرى اليدين، ويمنى الرجلين، فيكون ذلك قطعا من خلاف، وكان فيما ذُكر أوّل من فعل ذلك فرعون، وقد ذكرنا الرواية بذلك. وقوله (وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يقول: ولأصلبنكم على جذوع النخل، كما قال الشاعر:

هُمْ صَلَبُوا العَبْدِيّ فِي جِذعِ نَخْلَةٍ ... فَلا عَطَسَتْ شَيْبان إلا بأجْدَعا (١)


(١) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري (اللسان: عبد) قال: قال سيبويه: النسبة إلى عبد القيس عبدي، وهو من القسم الذي أضيف فيه الأول، لأنهم لو قالوا: قيسي، لالتبس بالمضاف إلى قيس عيلان ونحوه، قال سويد بن أبي كاهل: " وهو صلبوا. . . البيت ". قال ابن بري: قوله بأجدعا، أي بأنف أجدع، فحذف الموصوف، وأقام صفته مكانه. واستشهد المؤلف بقوله: صلبوا العبدي في جذع نخلة أي على جذع نخلة، كقول القرآن: وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ. وإنما ذلك على الاستعارة التبعية في الحرف (في) بتشبيه الاستعلاء بالظرفية، بجامع التمكن في كل منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>