فعشته إياه، فلبث في ذلك البلاء تلك السنين، حتى إن كان المارّ ليمرّ فيقول: لو كان لهذا عند الله خير لأراحه مما هو فيه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمه، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، قال: وكان وهب بن منبه يقول: لبث في ذلك البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما واحدا، فلما غلبه أيوب فلم يستطع منه شيئا، اعترض لامرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والطول على مركب ليس من مراكب الناس، له عظم وبهاء وجمال ليس لها، فقال لها: أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى؟ قالت نعم، قال: هل تعرفينني؟ قالت لا قال: فأنا إله الأرض، وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت، وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك كلّ ما كان لكما من مال وولد، فإنه عندي، ثم أراها إياهم فيما ترى ببطن الوادي الذي لقيها فيه، قال: وقد سمعت أنه إنما قال: لو أن صاحبك أكل طعاما ولم يسمّ عليه لعوفي مما به من البلاء، والله أعلم، وأراد عدوّ الله أن يأتيه من قِبَلها، فرجعت إلى أيوب، فأخبرته بما قال لها وما أراها، قال: أو قد آتاك عدوّ الله ليفتنك عن دينك؟ ثم أقسم إن الله عافاه ليضربنها مئة ضربة، فلما طال عليه البلاء، جاءه أولئك النفر الذين كانوا معه قد آمنوا به وصدّقوه معهم فتى حديث السنّ، قد كان آمن به وصدّقه، فجلسوا إلى أيوب ونظروا إلى ما به من البلاء، فأعظموا ذلك وفَظِعوا به، وبلغ من أيوب صلوات الله عليه مجهوده، وذلك حين أراد الله أن يفرِّج عنه ما به، فلما رأى أيوب ما أعظموا مما أصابه، قال: أي ربّ لأيّ شيء خلقتني ولو كنت إذ قضيت عليّ البلاء تركتني فلم تخلقني ليتني كنت دما ألقتني أمي، ثم ذكر نحو حديث ابن عسكر، عن إسماعيل بن عبد الكريم، إلى: وكابدوا الليل، واعتزلوا الفراش، وانتظروا الأسحار، ثم زاد فيه: أولئك الآمنون الذي لا يخافون، ولا يهتمون ولا يحزنون، فأين عاقبة أمرك يا أيوب من عواقبهم؟
قال فتى حضرهم وسمع قولهم، ولم يفطنوا له ولم يأبهوا لمجلسه، وإنما قيَّضه الله لهم لما كان من جورهم في المنطق وشططهم، فأراد الله أن يصغر به