للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: وإن شئت قلت في قوله: (أم تريدون) ، قبله استفهام، فرد عليه وهو في قوله: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) . (١)

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، على ما جاءت به الآثار التي ذكرناها عن أهل التأويل: أنه استفهام مبتدأ، بمعنى: أتريدون أيها القوم أن تسألوا رسولكم؟ وإنما جاز، أن يستفهم القوم بـ "أم"، وإن كانت"أم" أحد شروطها أن تكون نسقا في الاستفهام لتقدم ما تقدمها من الكلام، لأنها تكون استفهاما مبتدأ إذا تقدمها سابق من الكلام. ولم يسمع من العرب استفهام بها ولم يتقدمها كلام. ونظيره قوله جل ثناؤه: (الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) [السجدة: ١-٣] وقد تكون"أم" بمعنى"بل"، إذا سبقها استفهام لا يصلح فيه"أي"، فيقولون:"هل لك قِبَلَنا حق، أم أنت رجل معروف بالظلم؟ " (٢) وقال الشاعر:

فوالله ما أدري أسلمى تغولت ... أم النوم أم كل إلي حبيب (٣)

يعني: بل كل إلي حبيب.

وقد كان بعضهم يقول - منكرا قول من زعم أن"أم" في قوله: (أم تريدون)


(١) وهذا أيضًا بعض نص الفراء في معاني القرآن.
(٢) هذا أيضًا ذكره الفراء. ثم قال بعده: "يريدون: بل أنت رجل معروف بالظلم".
(٣) لم أعرف قائله. وسيأتى في تفسيره ٢٠: ٦ (بولاق) على الصواب، وفي معاني القرآن للفراء ١: ٧٢، واللسان (أمم) ، والصاحبي: ٩٨. وفي المطبوعة هنا: "تقولت. . أم القول، وهو خطأ محض. وقوله: "تغولت"، أي تصورت في صورة امرأة أحسها وأراها. من تغول الغول: وهي أن تتلون وتتخيل في صور شتى. يعنى أنها بعيدة لا شك في بعدها، ولكنه يخال أنه يراها أمامه ماثلة قائمة. وقال الأخطل: وتعرضت لك بالأباطح بعد ما ... قطعت بأبرق خلة ووصالا
وتغولت لتروعنا جنية ... والغانيات يرينك الأهوالا
ثم يقول: "أم النوم" أي: أم هو حلم. بل كلاهما حبيب إلى، يعني أي ذلك كان، فهو حبيب إلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>