للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى ذكره: حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج، اقترب الوعد الحقّ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب، وهو لا شك حق كما قال جلّ ثناؤه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، يعني ابن قيس، قال: ثنا حذيفة: لو أن رجلا افتلى فَلوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) قال: اقترب يوم القيامة منهم، والواو في قوله (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) مقحمة، ومعنى الكلام: حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ، وذلك نظير قوله (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه) معناه: نادينا، بغير واو، كما قال امرؤ القيس:

فَلَمَّا أجَزْنا ساحَة الحَيّ وَانْتَحَى ... بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ (١)

يريد: فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا.

وقوله (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان: أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها، كما قال الشاعر:

لَعَمْرو أَبِيهَا لا تَقُولُ ظَعِينَتي ... ألا فَرّ عَنِّي مالكُ بن أبي كَعْبِ (٢)


(١) البيت من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة مصطفى البابي الحلبي ص ٢٧) قال: أجزنا: قطعنا. والساحة: الفناء. والخبت: أرض مطمئنة. والحقف من الرمل: المعوج، والجمع حقاف، ويروى " ركام " أي بعضه فوق بعض. وعقنقل: متعقد متداخل بعضه في بعض. والبيت شاهد على أن الواو في قوله: " وانتحى ": مقحمة، يريد: فلما أجزنا ساحة الحي انتحى. وهي نظير الواو في قوله تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق) . الواو في " واقترب ": مقحمة. والفعل جواب للشرط " حتى إذا فتحت ". قال الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣٠٦ من مصورة الجامعة رقم ٢٤٠٥٩) : وقوله (واقترب الوعد الحق) معناه والله أعلم، حتى إذا فتحت اقترب، ودخول الواو في الجواب في " حتى إذا " بمنزلة قوله: "حتى إذا جاءوها وفتحت ". وفي قراءة عبد الله " فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية ". وفي قراءتنا بغير واو. ومثله في الصفات " فلما أسلما وتله للجنين وناديناه" معناها: ناديناه. وقال امرؤ القيس: " فلما أجزنا. . . البيت " يريد انتحى.
(٢) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣٠٧ من مصورة الجامعة) عند قوله تعالى: (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) قال: تكون هي عمادا يصلح في موضعها هو، فتكون كقوله "إنه أنا الله العزيز ". ومثله قوله: " فإنها لا تعمي الأبصار" فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة، والتذكير للعماد. . . وإن شئت جعلت هي للأبصار، كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها، كما قال الشاعر: لعمر أبيها. . . البيت " اه.
وعلى كلام الفراء يكون الضمير " في أبيها " مفسرًا بقوله ظعينتي. ومثله الضمير " هي " في الآية " فإذا هي " مفسر بقوله " أبصار ". وقال أبو البقاء العكبري في إعراب القرآن وهو كالوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما الفراء: إذا للمفاجأة، وهي مكان. والعامل فيها شاخصة. و " هي ": ضمير القصة. و " أبصار الذين " مبتدأ وشاخصة خبره. وقال الشوكاني في فتح القدير (٣: ٤١٣) مبنيا للوجهين: الضمير في فإذا هي للقصة، أو مبهم يفسره ما بعده. وإذا للمفاجأة.

<<  <  ج: ص:  >  >>