سمعت الضحاك، قال: يقول ناس من الناس (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) يعني من الناس أجمعين، فليس كذلك، إنما يعني من يعبد الآلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والملائكة، واستثنى الله هؤلاء الآلهة المعبودة التي هي ومن يعبدها في النار.
حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا الحسن بن الحسين الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) قال المشركون: فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) لعيسى وغيره.
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) ما كان من معبود، كان المشركون يعبدونه والمعبود لله مطيع وعابدوه بعبادتهم إياه بالله كفّار، لأن قوله تعالى ذكره (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس، فكأن المشركين قالوا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) : ما الأمر كما تقول، لأنا نعبد الملائكة، ويعبد آخرون المسيح وعُزَيرا، فقال عزّ وجلّ ردا عليهم قولهم: بل ذلك كذلك، وليس الذي سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون، لأنهم غير معنيين بقولنا (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) ، فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) فقول لا معنى له، لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانٌ، وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن، لا بما، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنم بما، قال (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب، لا من كان من الملائكة والإنس، فإذا كان ذلك كذلك لما وصفنا، فقوله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ، وأما الحُسنى فإنها الفُعلى