للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والشيء الذي لا يؤبه له، كقولهم للرجل الخامل الذي لا ذكر له ولا نباهة: "ضُل بن ضُل"، و "قُل بن قُل"، وكقول الأخطل، في الشيء الهالك:

كنتَ القَذَى في موجِ أكدر مُزْبدٍ ... قذف الأتِيُّ به فضل ضلالا (١)

يعني: هلك فذهب.

* * *

والذي عنى الله تعالى ذكره بقوله: (فقد ضل سواء السبيل) ، فقد ذهب عن سواء السبيل وحاد عنه.

* * *

وأما تأويل قوله: (سواء السبيل) ، فإنه يعني بـ "السواء"، القصد والمنهج.

وأصل"السواء" الوسط. ذكر عن عيسى بن عمر النحوي أنه قال:"ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي"، يعني: وسطي. وقال حسان بن ثابت:

يا ويح أنصار النبي ونسله ... بعد المغيب في سواء الملحد (٢)


(١) ديوانه: ٥٠، ونقائض جرير والأخطل: ٨٣ وسيأتي في تفسير الطبري ٣: ٢١٩ / ٢١: ٦١ (بولاق) . وقوله: "كنت"، يعني جريرا، وهو جواب"إذا"، فقبل البيت: وإذا سما للمجد فرعا وائل ... واستجمع الوادي عليك فسالا
" فرعا وائل" يعني بكرا وتغلب رهط الأخطل. والقذي" ما يكون فوق الماء من تبن وورق وأعواد. وفي المطبوعة هنا: "أكبر" مكان"أكدر"، وهو تصحيف، وأتى على صوابه في الموضعين الآخرين من التفسير. وقوله"أكدر" يعني بحرا متلاطما، فكدر بعد صفاء. ومزبد: بحر هائج مائج يقذف بالزبد. والأتي: السيل الذي يأتي من مكان بعيد. وقوله: "قذف الآتي به"، صفة للقذى. يقول: كنت عندئذ كالقذى رمى به السيل في بحر مزبد لا يهدأ موجه، فهلك هلاكا. ورواية الديوان: "في لج أكدر".
(٢) ديوانه: ٩٨، وسيأتي في تفسير الطبري ١٠: ٢٠ (بولاق) ، وهكذا جاءت الرواية هنا"نسله"، وأظنها خطأ من ناسخ أو خطأ في رواية. ورواية الديوان وما سيأتي في الطبري، وغيرهما"ورهطه". وهو من رثاء حسان رسول الله بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. وعنى بقوله: "ورهطه" المهاجرين رضي الله عنهم. والمغيب مصدر غيبه في الأرض: واراه. و"الملحد" بضم الميم وفتح الحاء بينهما لام ساكنة: هو اللحد، والقبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>