للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}

يقول تعالى ذكره: ومنكم أيها الناس من يتوفى قبل أن يبلغ أشدّه فيموت، ومنكم من يُنْسَأ في أجله فيعمر حتى يهرم، فيردّ من بعد انتهاء شبابه وبلوغه غاية أشده، إلى أرذل عمره، وذلك الهرم، حتى يعود كهيئته في حال صباه لا يعقل من بعد عقله الأوّل شيئا.

ومعنى الكلام: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر بعد بلوغه أشده (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ) كان يعلمه (شَيْئًا) .

وقوله (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً) يقول تعالى ذكره: وترى الأرض يا محمد يابسة دارسة الآثار من النبات والزرع، وأصل الهمود: الدروس والدثور، ويقال منه: همدت الأرض تهمد هُمودا؛ ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس:

قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لِجِسِمَك شاحِبا ... وأرَى ثِيابكَ بالِياتٍ هُمَّدَا (١)

والهُمَّد: جمع هامد، كما الركع جمع راكع.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً) قال: لا نبات فيها.


(١) البيت لأعشى بن قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين، ص ٢٢٧) . وهو من قصيدة قالها لكسرى حين أراد منهم رهائن، لما أغار الحارث بن وعلة على بعض السواد. والرواية فيه " سايئا " في موضع " شاحبا ". قال في تفسيره: سايئ: يسوء من رآه. وهمد الثوب تقطع من طول الطي ينظر إليه الناظر فيحسبه صحيحا، فإذا مسه تناثر من البلى، ومثله في (اللسان: همد) : (وترى الأرض هامدة) : أي جافة ذات تراب. وأرض هامدة: مقشعرة، لا نبات فيها إلا اليابس المتحطم، وقد أهمدها القحط. أه.

<<  <  ج: ص:  >  >>