للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كعب بن الأشرف، معنى مفهوم. لأن كعب بن الأشرف واحد، وقد أخبر الله جل ثناؤه أن كثيرا منهم يودون لو يردون المؤمنين كفارا بعد إيمانهم، والواحد لا يقال له"كثير"، بمعنى الكثرة في العدد، إلا أن يكون قائل ذلك أراد بوجه الكثرة التي وصف الله بها من وصفه بها في هذه الآية، الكثرة في العز ورفعة المنزلة في قومه وعشيرته، كما يقال:"فلان في الناس كثير"، يراد به كثرة المنزلة والقدر. فإن كان أراد ذلك فقد أخطأ، لأن الله جل ثناؤه قد وصفهم بصفة الجماعة فقال: (لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا) ، فذلك دليل على أنه عنى الكثرة في العدد = أو يكون ظن أنه من الكلام الذي يخرج مخرج الخبر عن الجماعة، والمقصود بالخبر عنه الواحد، نظير ما قلنا آنفا في بيت جميل، (١) فيكون ذلك أيضا خطأ. وذلك أن الكلام إذا كان بذلك المعنى، فلا بد من دلالة فيه تدل على أن ذلك معناه، ولا دلالة تدل في قوله: (ود كثير من أهل الكتاب) أن المراد به واحد دون جماعة كثيرة، فيجوز صرف تأويل الآية إلى ذلك، وإحالة دليل ظاهره إلى غير الغالب في الاستعمال.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}

قال أبو جعفر: ويعني جل ثناؤه بقوله: (حسدا من عند أنفسهم) ، أن كثيرا من أهل الكتاب يودون للمؤمنين ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم يودونه لهم، من الردة عن إيمانهم إلى الكفر، حسدا منهم وبغيا عليهم.

* * *

و"الحسد" إذا منصوب على غير النعت للكفار، ولكن على وجه المصدر الذي يأتي خارجا من معنى الكلام الذي يخالف لفظه لفظ المصدر، كقول القائل لغيره:"تمنيت لك ما تمنيت من السوء حسدا مني لك"، فيكون"الحسد" مصدرا


(١) انظر ما سلف قريبا: ٤٨٧ قوله: "ألا إن جيراني العشية رائح".

<<  <  ج: ص:  >  >>