للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكما قال زيد بن عمرو بن نفيل:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا (١)

يعني بذلك: استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته المزن وانقادت له.

* * *

وخص الله جل ثناؤه بالخبر عمن أخبر عنه بقوله: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ، بإسلام وجهه له دون سائر جوارحه، لأن أكرم أعضاء ابن آدم وجوارحه وجهه، وهو أعظمها عليه حرمة وحقا، فإذا خضع لشيء وجهه الذي هو أكرم أجزاء جسده عليه فغيره من أجزاء جسده أحرى أن يكون أخضع له. ولذلك تذكر العرب في منطقها الخبر عن الشيء، فتضيفه إلى"وجهه" وهي تعني بذلك نفس الشيء وعينه، كقول الأعشى:

أَؤُوِّل الحكم على وَجهه ... ليس قضائي بالهوى الجائر (٢)

يعني بقوله:"على وجهه": على ما هو به من صحته وصوابه، وكما قال ذو الرمة:

فطاوعت همي وانجلى وجه بازل ... من الأمر، لم يترك خِلاجا بُزُولُها (٣)


(١) سيرة ابن هشام ١: ٢٤٦ وغيره.
(٢) ديوانه: ١٠٦ من قصيدته المشهورة. في منافرة علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، فهجا الأعشى علقمة لأمر كان بينهما. وفضل عليه عامرا. (انظر الأغاني ١٥: ٥٠ - ٥٦) . وأول الحكم: قدره ودبره ورده إلى صوابه وأصله. والجائر: المائل عن سبيل الحق. جار: ظلم ومال وقبل البيت: علقم، لا تسفه، ولا تجعلن ... عرضك للوارد والصادر
وبعده: قد قلت قولا فقضى بينكم ... واعترف المنفور للنافر
(٣) ديوانه: ٥٦٠ يمدح عبيد الله بن عمر بن عبيد الله بن معمر التميمي، في آخر القصيدة، فقال بعد البيت: فقالت: عبيد الله من آل معمر ... إليه ارحل الأنقاض يرشد رحيلها
وقوله: "طاوعت همي"، ما هم به في نفسه. يقول: طاوعت ما همت به نفسي. وقوله: "بازل من الأمر" يعني خطة يركبها. هذا مثل. يقال: بزل ناب البعير بزولا، أي طله وانشق وظهر. ومنه قيل: بزل الأمر والرأى: قطعه. وخطة بزلاء: تفصل بين الحق والباطل. فقوله"بازل من الأمر" صفة لما أضمره من قوله"خطة"، وأتى بها على التذكير، كما أتوا بها على التذكير في قولهم: "ناقة بازل". والخلاج: الشك والتردد والتنازع. يقول: طاوعت ما جال في نفسي، فانجلى عن خطة ظاهرة انشقت وظهرت، فلم تدع للنفس مذهبا في الشك والتردد، إذ قالت: اقصد عبيد الله بن عمر بن عبيد الله بن معمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>