ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعُزيرا والملائكة، يكذّبون المشركين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) قال: عيسى وعُزيرا والملائكة، يكذّبون المشركين بقولهم.
وكان ابن زيد يقول في تأويل ذلك: ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: كذّبوكم بما تقولون بما جاء من عند الله جاءت به الأنبياء والمؤمنون آمنوا به، وكذب هؤلاء فوجه ابن زيد تأويل قوله: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) إلى: فقد كذّبوكم أيها المؤمنون المكذّبون بما جاءهم به محمد من عند الله، بما تقولون من الحقّ، وهو أن يكون خبرا عن الذين كذّبوا الكافرين في زعمهم أنهم دعوهم إلى الضلالة، وأمروهم بها على ما قاله مجاهد من القول الذي ذكرناه عنه أشبه وأولى; لأنه في سياق الخبر عنهم، والقراءة في ذلك عندنا (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) بالتاء على التأويل الذي ذكرناه، لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وقد حُكي عن بعضهم أنه قرأه (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ) بالياء، بمعنى: فقد كذبوكم بقولهم.
وقوله جلّ ثناؤه (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) يقول: فما يستطيع هؤلاء الكفار صرف عذاب الله حين نزل بهم عن أنفسهم، ولا نصرها من الله حين عذّبها وعاقبها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: المشركون لا يستطيعونه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: المشركون. قال ابن جُرَيج: لا يستطيعون صرف العذاب عنهم، ولا نصر أنفسهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: لا يستطيعون يصرفون عنهم العذاب الذي نزل بهم حين كذّبوا، ولا أن ينتصروا قال: وينادي مناد يوم القيامة حين يجتمع الخلائق: ما لكم لا تناصرون، قال: من عبد من دون الله لا ينصر اليوم من عبده، وقال العابدون من دون الله: لا ينصره اليوم إلهه الذي يعبد من دون الله، فقال الله تبارك وتعالى: (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) وقرأ قول الله جلّ ثناؤه (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) .
ورُوي عن ابن مسعود في ذلك ما حدثنا به أحمد بن يونس، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: هي في حرف عبد الله بن مسعود (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لكَ صَرْفًا) فإن تكن هذه الرواية عنه صحيحة صحّ التأويل الذي تأوّله ابن زيد في قوله: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) ويصير قوله (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) خبرا عن المشركين أنهم كذّبوا المؤمنين، ويكون تأويل قوله حينئذ (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لكَ صَرْفًا) فما يستطيع يا محمد هؤلاء الكفار لك صرفا عن الحق الذي هداك الله له، ولا نصر أنفسهم، مما بهم من البلاء الذي هم فيه، بتكذيبهم إياك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩) }
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) أيها المؤمنون- يعني بقوله: (وَمَنْ يَظْلِمْ) ومن يشرك بالله فيظلم نفسه، فذلك نذقه عذابا كبيرا كالذي ذكرنا أنَّا نذيقه الذين كذّبوا بالساعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.