للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وللبيان عن فساد هذه المقالة موضع غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء الله.

* * *

وإذا كان الأمر في قوله جل ثناؤه: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) ، هو ما وصفنا من أن حال أمره الشيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود، فبَيِّنٌ بذلك أن الذي هو أولى بقوله: (فيكون) (١) الرفع على العطف على قوله (٢) (يقول) لأن"القول" و"الكون" حالهما واحد. وهو نظير قول القائل:"تاب فلان فاهتدى"، و"اهتدى فلان فتاب"، لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتد، ولا مهتديا إلا وهو تائب. فكذلك لا يمكن أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود إلا وهو موجود، ولا موجودا إلا وهو آمره بالوجود.

ولذلك استجاز من استجاز نصب"فيكون" من قرأ: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل: ٤٠] ، بالمعنى الذي وصفنا على معنى: أن نقول فيكونَ.

وأما رفع من رفع ذلك، (٣) فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله: (إذا أردناه أن نقول له كن) . إذ كان معلوما أن الله إذا حتم قضاءه على شيء كان المحتوم عليه موجودا، ثم ابتدأ بقوله: فيكون، كما قال جل ثناؤه: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ) ، [سورة الحج: ٥] وكما قال ابن أحمر:

يعالج عاقرا أعيت عليه ... ليُلْقِحَها فيَنْتِجُها حُوارا (٤)


(١) في المطبوعة: "فتبين"، والصواب ما أثبت.
(٢) في المطبوعة: "فيكون على العطف" سقط من الناسخ قوله: الرفع".
(٣) وهذه هي قراءة مصحفنا اليوم.
(٤) المعاني الكبير: ٨٤٦، ١١٣٤، وسيبويه ١: ٣٤١، من أبيات يذكر صديقا كان له، يقول: أرانا لا يزال لنا حميم ... كداء البطن سِلا أو صُفارا
يعالج عاقرا أعيت عليه ... ليلقحها، فينتجها حوارا
ويزعم أنه ناز علينا ... بشرته فتاركنا تبارا
جعل هذا الصديق كداء البطن لا يدري من أين يهج ولا كيف يتأتى له. وهو يعالج من الشر ما لا يقدر عليه، فكأنه يطلب الولد من عاقر. جعل ذلك مثلا. والحوار: ولد البقرة. والشرة: حدة الشر، والتبار: الهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>