إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يأخذه منه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عبد الله الفزاري، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر، عن الحسن، قال: قوله: (يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلا مَنْ ظَلَمَ) قال: إني إنما أخفتك لقتلك النفس، قال: وقال الحسن: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب.
واختلف أهل العربية في وجه دخول إلا في هذا الموضع، وهو استثناء مع وعد الله الغفران المستثنى من قوله:(إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) بقوله: (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) .وحكم الاستثناء أن يكون ما بعده بخلاف معنى ما قبله، وذلك أن يكون ما بعده إن كان ما قبله منفيا مثبتا كقوله: ما قام إلا زيد، فزيد مثبت له القيام، لأنه مستثنى مما قبل إلا وما قبل إلا منفيّ عنه القيام، وأن يكون ما بعده إن كان ما قبله مثبتا منفيا كقولهم: قام القوم إلا زيدًا; فزيد منفيّ عنه القيام; ومعناه: إن زيدًا لم يقم، القوم مثبت لهم القيام (إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ) ، فقد أمنه الله بوعده الغفران والرحمة، وأدخله في عداد من لا يخاف لديه من المرسلين، فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت إلا في هذا الموضع؛ لأن إلا تدخل في مثل هذا الكلام، كمثل قول العرب: ما أشتكي إلا خيرا، فلم يجعل قوله: إلا خيرا على الشكوى، ولكنه علم أنه إذا قال: ما أشتكي شيئا أن يذكر عن نفسه خيرا، كأنه قال: ما أذكر إلا خيرا.
وقال بعض نحويي الكوفة يقول القائل: كيف صير خائفا من ظلم، ثم بدّل حسنا بعد سوء، وهو مغفور له؟ فأقول لك: في هذه الآية وجهان: أحدهما أن يقول: إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة، ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يخاف ويرجو، فهذا وجه. والآخر: أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة، لأن المعنى: لا يخاف لديّ المرسلون، إنما الخوف على من سواهم، ثم استثنى فقال:(إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا) يقول: كان مشركا، فتاب من الشرك، وعمل حسنا، فذلك مغفور له، وليس يخاف. قال: وقد قال بعض النحويين: إن إلا في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون، ولا من ظلم ثم بدّل حسنا، قال: وجعلوا مثله كقول الله: (لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) قال: ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيز: قام الناس إلا عبد الله، وعبد الله قائم، إنما