أحد من جنودك يعلم له ماء فالطير، فدعا الطير فسألهم، فقالوا: ما نعلم له ماء، وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالهدهد، فلم يجده، قال: فذاك أوّل ما فقد الهدهد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) قال: تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله على الماء إذا ركب، وإن سليمان ركب ذات يوم فقال: أين الهدهُد ليدلنا على الماء؟ فلم يجده؛ فمن أجل ذلك تفقده، فقال ابن عباس: إن الهدهد كان ينفعه الحذر ما لم يبلغه الأجل؛ فلما بلغ الأجل لم ينفعه الحذر، وحال القدر دون البصر، فقد اختلف عبد الله بن سلام والقائلون بقوله ووهب بن منبه، فقال عبد الله: كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه ليستخبره عن بُعد الماء في الوادي الذي نزل به في مسيره، وقال وهب بن منبه: كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بالنوبة التي كان ينوبها، والله أعلم بأي ذلك كان إذ لم يأتنا بأيّ ذلك كان تنزيل، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.
فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن سليمان أنه تفقد الطير، إما للنوبة التي كانت عليها وأخلت بها، وإما لحاجة كانت إليها عن بُعد الماء.
وقوله:(فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) يعني بقوله (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أخطأه بصري فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق فلم يحضر؟.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه:(مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) أخطأه بصري في الطير، أم غاب فلم يحضر؟.
وقوله:(لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا) يقول: فلما أخبر سليمان عن الهدهد أنه لم يحضر، وأنه غائب غير شاهد، أقسم (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا) وكان تعذيبه الطير فيما ذُكر عنه إذا عذبها أن ينتف ريشها.