وقالت:(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) وإنما أرسلت إلى سليمان وحده على النحو الذي بينا في قوله: (عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ) ، وقوله:(فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ) .
إن قال قائل: وكيف قيل: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ) فجعل الخبر في مجيء سليمان عن واحد، وقد قال قبل ذلك:(فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) فإن كان الرسول كان واحدا، فكيف قيل (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وإن كانوا جماعة فكيف قيل: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ) قيل: هذا نظير ما قد بيَّنا قبل من إظهار العرب الخبر في أمر كان من واحد على وجه الخبر، عن جماعة إذا لم يقصد قصد الخبر عن شخص واحد بعينه، يُشار إليه بعينه، فسمي في الخبر. وقد قيل: إن الرسول الذي وجَّهته ملكة سبأ إلى سليمان كان امرأ واحدا، فلذلك قال:(فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ) يُراد به: فلما جاء الرسول سليمان; واستدلّ قائلو ذلك على صحة ما قالوا من ذلك بقول سليمان للرسول: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله، فلما جاءوا سليمان على الجمع، وذلك للفظ قوله:(بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) فصلح الجمع للفظ والتوحيد للمعنى.
وقوله:(أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ) يقول: قال سليمان لما جاء الرسول من قبل المرأة بهداياها: أتمدونن بمال.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء أهل المدينة "أتُمِدونَنِي"بنونين، وإثبات الياء. وقرأه بعض الكوفيين مثل ذلك، غير أنه حذف الياء من آخر ذلك وكسر النون الأخيرة. وقرأه بعض قرّاء البصرة بنونين، وإثبات الياء في الوصل وحذفها في الوقف. وقرأه بعض قرّاء الكوفة بتشديد النون وإثبات الياء. وكلّ هذه القراءات متقاربات وجميعها صواب، لأنها معروفة في لغات العرب، مشهورة في منطقها.
وقوله:(فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ) يقول: فما آتاني الله من المال والدنيا أكثر مما أعطاكم منها وأفضل (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) يقول: ما أفرح بهديتكم التي