فقال لمن عنده من الجنّ والإنس:(يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) قال سليمان: أريد أعجل من ذلك (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) وهو رجل من الإنس عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر، الذي إذا دعي به أجاب:(أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) فدعا بالاسم وهو عنده قائم، فاحتمل العرش احتمالا حتى وُضع بين يدي سليمان، والله صنع ذلك; فلما أتى سليمان بالعرش وهم مشركون، يسجدون للشمس والقمر، أخبره الهدهد بذلك، فكتب معه كتابًا ثم بعثه إليهم، حتى إذا جاء الهدهد الملكة ألقى إليها الكتاب (قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) ... إلى (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) فقالت لقومها ما قالت (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) قال: وبعثت إليه بوصائف ووصفاء، وألبستهم لباسا واحدا، حتى لا يعرف ذكر من أنثى، فقالت: إن زيل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى، ثم رد الهدية، فإنه نبي، وينبغي لنا أن نترك ملكنا ونتبع دينه ونلحق به، فردّ سليمان الهدية وزيل بينهم، فقال: هؤلاء غلمان وهؤلاء جوار وقال: (أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) ... إلى آخر الآية.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) ... الآية; قال: وأنكر سليمان أن يكون لأحد على الأرض سلطان غيره، قال لمن حوله من الجنّ والإنس:(أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا) ... الآية.
وقال آخرون: بل إنما اختبر صدق الهدهد سليمان بالكتاب، وإنما سأل من عنده إحضاره عرش المرأة بعد ما خرجت رسلها من عنده، وبعد أن أقبلت المرأة إليه.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، قال: لما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان: قالت: والله عرفت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة، وما نصنع بمكاثرته شيئا، وبعثت: إني قادمة عليك بملوك قومي، حتى أنظر ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك؟ ثم أمرت بسرير ملكها، الذي كانت تجلس عليه، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، فجعل في سبعة أبيات بعضها