وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفا: ربّ نجني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك.
وقوله:(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين، ماضيا إليها، شاخصا عن مدينة فرعون، وخارجا عن سلطانه، (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) وعنى بقوله: "تلقاء" نحو مدين; ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه، يعني به: من قبل نفسه ويقال: داره تلقاء دار فلان: إذا كانت محاذيتها، ولم يصرف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة، كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة; ومنه قول الشاعر:
وقوله:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها.
وذُكر أن الله قيض له إذ قال:(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ملَكا سدده الطريق، وعرفه إياه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه مَلَك على فرس بيده عَنزة; فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لي ولكن اتبعني، فاتبعه، فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه نحو مدين:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) فانطلق به حتى انتهى به إلى مَدين.
حدثنا العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: خرج موسى متوجها نحو مدين، وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه، فإنه قال:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لي أنه خرج وهو يقول: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فهيأ الله الطريق إلى مَدين، فخرج من
(١) البيت لجرير، وقد تقدم الاستشهاد به على الرهبان جمع راهب في (٧: ٣) من هذا التفسير. واستشهد به هنا على أن مدين ممنوعة من الصرف لأنها علم على بلدة، ففيها العلمية والتأنيث.