للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زيد بن جدعان، قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار، ودخل المقصورة; فلما خرج منها، جلس وتساند عليها، وجلسنا إليه، فذكر سليمان بن داود (قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ... إلى قوله: (إِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ثم سكت عن ذكر سليمان، فقال: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) ، (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) قال: وعادى موسى، وكان مؤذيا له، وكان موسى يصفح عنه ويعفو، للقرابة، حتى بنى دارا، وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدرانه صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام، ويحدّثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء، حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا، مشهورة بالسب، فأرسل إليها فجاءته، فقال لها: هل لك أن أموّلك وأعطيك، وأخلطك في نسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون، ألا تنهى عني موسى، قالت: بلى. فلما جلس قارون، وجاء الملأ من بني إسرائيل، أرسل إليها، فجاءت فقامت بين يديه، فقلب الله قلبها، وأحدث لها توبة، فقالت في نفسها: لأن أحدث اليوم توبة، أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذّب عدو الله له. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أموّلك وأعطيك، وأخلطك بنسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى، فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذب عدو الله; فلما تكلمت بهذا الكلام، سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت الملأ وعرف أنه قد وقع في هلكة، وشاع كلامها في الناس، حتى بلغ موسى; فلما بلغ موسى اشتدّ غضبه، فتوضأ من الماء، وصلى وبكى، وقال: يا ربّ عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا ربّ سلطني عليه. فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك. فجاء موسى إلى قارون; فلما دخل عليه، عرف الشرّ في وجه موسى له، فقال: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره، وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى، فأخذتهم إلى ركبهم، وهو يتضرّع إلى موسى: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم، قال فاضطربت داره وساخت وخُسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرّع إلى موسى: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم، فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى صلى الله عليه وسلم: يا موسى ما أفظك، أما وعزّتي لو إياي نادى لأجبته.

حدثني بشر بن هلال، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: بلغني أنه قيل لموسى: لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبدا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الحميد الحماني، عن سفيان، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، قال عبد الحميد، عن أبي نصر، عن ابن عباس، ولم يذكر ابن مهدي أبا نصر (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ) قال: الأرض السابعة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: بلغنا أنه يخسف به كلّ يوم مائة قامة، ولا يبلغ أسفل الأرض إلى يوم القيامة، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حبان، عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار، قال: بلغني أن قارون يخسف به كلّ يوم مائة قامة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ) ذكر لما أنه يخسف به كلّ يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.

وقوله: (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يقول: فلم يكن له جند يرجع إليهم، ولا فئة ينصرونه لما نزل به من سخطه، بل تبرءوا منه.

(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) يقول: ولا كان هو ممن ينتصر من الله إذا أحل به نقمته، فيمتنع لقوته منها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ) أي جند ينصرونه، وما عنده منعة يمتنع بها من الله.

وقد بيَّنا معنى الفئة فيما مضى وأنها الجماعة من الناس، وأصلها الجماعة التي يفيء إليها الرجل عند الحاجة إليهم، للعون على العدوّ، ثم تستعمل ذلك العرب في كل جماعة كانت عونا للرجل، وظهرا له; ومنه قول خفاف:

فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ حَيًّا لَقَاحًا ... وَجَدّكَ بينَ نَاضِحَةٍ وَحَجْرِ ... أشَدَّ على صُرُوفِ الدَّهْرِ آدًا ... وأكبرَ منهُمُ فِئَةً بِصَبْرِ (١)


(١) البيتان من شعر خفاف بن ندبة، وهما من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (١٨٣ب) قال عند قوله تعالى: (فما كان له من فئة) أي من أعوان وظهر، قال خفاف: فلم أر مثلهم حيًّا لقاحًا ... " البيتين. وفي (اللسان: لقح) : وحي لقاح: لم يدينوا للملوك، ولم يملكوا، ولم يصبهم في الجاهلية سباء، وقال ثعلب: الحي اللقاح: مشتق من لقاح الناقة، لأن الناقة إذا لقحت لم تطاوع الفحل. وناضحة بالضاد: لعله تحريف ناصحة، وهي كما في معجم البلدان: ماء لمعاوية بن حزن بنجد. وحجر (بفتح فسكون) : قصبة اليمامة. والآد والأيد: القوة. والفئة: الجماعة من الناس، وهو من الكلمات الثنائية الوضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>